کد مطلب:280437 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:174

التحذیر من الاختلاف
أمر الله تعالی فی كتابه الكریم بعدم الاختلاف فی الدین فی أكثر من آیة، منه قوله تعالی: (ولا تكونوا كالذین تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البینات)، [1] وقال رسول الله (ص) لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا [2] وقال جل شأنه: (واعتصموا بحبل الله جمیعا ولا تفرقوا) [3] وقال النبی (ص) إنی تارك فیكم الثقلین أحدهما أكبر من الآخر. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض وعترتی أهل بیتی وإنهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض. [4] .

وحذر تعالی من عاقبة الاختلاف فی الدین فی أكثر من آیة من كتابه الكریم. منه قوله تعالی: (إن الذین فرقوا دینهم وكانوا شیعا لست منهم فی شئ. إنما أمرهم إلی الله ثم ینبئهم بما كانوا یفعلون)، [5] قال المفسرون: أی أن الذین فرقوا دینهم بالاختلافات والانشعابات المذهبیة بعد أن جاءهم العلم، لیسوا علی طریقتك التی بنیت علی وحدة الكلمة ونفی الفرقة، إنما أمرهم فی هذا التفریق إلی ربهم فینبئهم یوم القیامة بما كانوا یفعلون. ویكشف لهم حقیقة أعمالهم، والآیة عامة. تعم



[ صفحه 285]



الیهود والنصاری والمختلفین بالمذاهب والبدع من هذه الأمة.

وفی الوقت الذی أمرت فیه الدعوة الإلهیة الخاتمة بعدم الاختلاف، أخبر النبی (ص) بالغیب عن ربه العلیم المطلق سبحانه، بأن الأمة ستختلف من بعده وسیتبع بعضها سنن الیهود والنصاری، قال (ص) إن بنی إسرائیل تفرقت إحدی وسبعین فرقة، فهلك إحدی وسبعون فرقة وخلصت فرقة واحدة، وإن أمتی ستفترق علی اثنتین وسبعین فرقة تهلك إحدی وسبعون وتخلص فرقة، قیل: یا رسول الله من تلك الفرقة؟ قال: الجماعة الجماعة، [6] أما اتباع سنن الأولین ففی قوله تعالی: (وعد الله المنافقین والمنافقات والكفار نار جهنم خالدین فیها هی حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقیم، كالذین من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا، فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذین من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذی خاضوا، أولئك حبطت أعمالهم فی الدنیا والآخرة وأولئك هم الخاسرون)، [7] روی ابن جریر أن رسول الله (ص) قال فی هذه الآیة حذركم الله أن تحدثوا فی الإسلام حدثا وقد علم أنه سیفعل ذلك أقوام من هذه الأمة، فقال تعالی:

(فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم... الآیة). وإنما حسبوا أن لا یقع بهم من الفتنة ما وقع ببنی إسرائیل قبلهم، وإن الفتنة عائدة كما بدأت، [8] وروی ابن كثیر عن ابن عباس قال: ما أشبه اللیلة بالبارحة، كالذین من قبلكم هؤلاء بنو إسرائیل شبهنا بهم، والذی نفسی بیده لیتبعنهم حتی لو دخل الرجل جحر ضب لدخلتموه، [9] وعن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله (ص) لتتبعن سنن الذین من قبلكم شبرا



[ صفحه 286]



بشبر وذراعا بذراع، حتی لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم قالوا: یا رسول الله الیهود والنصاری؟ قال: فمن؟ [10] وقال المفسرون: إن المنافقین والمنافقات بعضهم من بعض، وإنهم جمیعا والكفار ذو طبیعة واحدة فی الإعراض عن ذكر الله والإقبال علی الاستمتاع. بما أوتوا من أعراض الدنیا من أموال وأولاد، والخوض فی آیات الله. ثم فی حبط أعمالهم فی الدنیا والآخرة والخسران. ومعنی الآیات: أنتم كالذین من قبلكم كانت لهم قوة وأموال وأولاد، بل أشد وأكثر فی ذلك منكم، فاستمتعوا بنصیبهم، وقد تفرع علی هذه المماثلة أنكم استمتعتم كما استمتعوا وخضتم كما خاضوا. أولئك حبطت أعمالهم فی الدنیا والآخرة وأولئك هم الخاسرون، وأنتم أیضا أمثالهم فی الحبط والخسران.

لقد حذرت الدعوة الإلهیة عند المقدمة من الاختلاف فی الدین، وذكرت أن الاختلاف بعد العلم لا یمكن أن یضع أصحابه علی طریقة رسول الله (ص)، لأنها طریقة بنیت علی وحدة الكلمة ونفی الفرقة، وحذرت الدعوة الخاتمة من سلوك سبیل الذین أوتوا الكتاب. وبینت برامجهم وأهدافهم، وأخبرت بأنهم یصدون عن سبیل الله. ویعملون من أجل أن تضل الأمة وتتبع طریقتهم فی الحیاة، ثم أخبر رسول الله (ص) بالغیب عن ربه بما یستقبل الناس، ومنه: أن الأمة ستفترق وسیتبع بعضها طریقة الیهود والنصاری، والتحذیر عند المقدمة فیه أن الصراع قائم بین الحق وبین الباطل، وظهور الذین اتبعوا الیهود والنصاری عند نهایة الطریق، لا یعنی سقوط المسیرة، وإنما یعنی سقوط الغثاء والزبد الذی لا قیمة له، وأعلام هؤلاء یحملها المنافقین والمنافقات كما ظهر فی صدر الآیة الكریمة.



[ صفحه 287]




[1] سورة آل عمران آية 105.

[2] رواه البخاري (كنز العمال 177 / 1).

[3] سورة آل عمران آية 103.

[4] رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن. والطبراني. وقال المناوي رجاله موثقون (الفتح الرباني 186 / 1).

[5] سورة الأنعام آية 159.

[6] رواه أحمد (الفتح الرباني 6 / 24) والترمذي وصححه (الجامع 25 / 4).

[7] سورة التوبة آية 69.

[8] تفسير ابن جرير 122 / 10.

[9] تفسير ابن كثير 368 / 2.

[10] رواه أحمد والبخاري ومسلم (الفتح الرباني 197 / 1).